شبكة تونس الزيتونة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

اذهب الى الأسفل
الزعيم
الزعيم
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 190
نقاط النشاط : 2725
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 05/07/2017
العمر : 34
الموقع : شبكة تونس الزيتونة
https://rtnz.yoo7.com

مباحث في علوم القرآن الكريم للدكتور مناع القطان - صفحة 6 Empty رد: مباحث في علوم القرآن الكريم للدكتور مناع القطان

الإثنين 05 نوفمبر 2018, 19:13
"البيِّنَةُ وإلا حدٌّ في ظهرك" فقال: يا رسول الله.. إذا رأى أحدنا على امرأته رجلًا ينطلق يلتمس البيِّنَة؟ فجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "البيِّنَة وإلا حدٌّ في ظهرك" , فقال هلال: والذي بعثك بالحق إني لصادق، وليُنزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد، ونزل جبريل فأنزل عليه: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} 1 ... حتى بلغ: {إنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} 2، 3.. فيتناول الحكم المأخوذ من هذا اللفظ العام: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} غير حادثة هلال دون احتياج إلى دليل آخر.
وهذا هو الرأي الراجح والأصح، وهو الذي يتفق مع عموم أحكام الشريعة،، والذي سار عليه الصحابة والمجتهدون من هذه الأمة فعدوا بحكم الآيات إلى غير صورة سببها. كنزول آية الظهار في أوس بن الصامت، أو سلمة بن صخر - على اختلاف الروايات في ذلك، والاحتجاج بعموم آيات نزلت على أسباب خاصة شائع لدى أهل العلم، قال ابن تيمية: "قد يجيء هذا كثيرًا ومن هذا الباب قولهم: هذه الآية نزلت في كذا، لا سيما إن كان المذكور شخصًا كقولهم: إن آية الظهار نزلت في امرأة أوس بن الصامت، وإن آية الكلالة نزلت في جابر بن عبد الله، وأن قوله: {وَأنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ} 4, نزلت في بني قريظة والنضير، ونظائر ذلك مما يذكرون أنه نزل في قوم من المشركين بمكة، أو في قوم من اليهود والنصارى، أو في قوم من المؤمنين، فالذين قالوا ذلك لم يقصدوا أن حكم الآية يختص بأولئك الأعيان دون غيرهم، هذا لا يقوله مسلم ولا عاقل على الإطلاق، والناس وإن تنازعوا في اللفظ العام الوارد على سبب هل يختص بسببه فلم يقل أحد إن عمومات الكتاب والسٌّنَّة تختص بالشخص المعيَّن، وإنما غاية ما يقال: إنها تختص بنوع ذلك الشخص، فتعم ما يشبهه، ولا يكون العموم فيها بحسب اللفظ، والآية التي لها سبب معين إن كانت
************
1 النور: 6.
2 النور: 9.
3 أخرجه البخاري والترمذي وابن ماجه.
4 المائدة: 49.
الزعيم
الزعيم
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 190
نقاط النشاط : 2725
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 05/07/2017
العمر : 34
الموقع : شبكة تونس الزيتونة
https://rtnz.yoo7.com

مباحث في علوم القرآن الكريم للدكتور مناع القطان - صفحة 6 Empty رد: مباحث في علوم القرآن الكريم للدكتور مناع القطان

الإثنين 05 نوفمبر 2018, 19:14
أمرًا أو نهيًا فهي متناولة لذلك الشخص ولغيره ممن كان بمنزلته، وإن كان خبرًا يمدح أو يذم فهي متناولة لذلك الشخص ولمن كان بمنزلته".
2- وذهب جماعة إلى أن العبرة بخصوص السبب لا بعموم اللفظ، فاللفظ العام دليل على صورة السبب الخاص، ولا بد من دليل آخر لغيره من الصور كالقياس ونحوه، حتى يبقى لنقل رواية السبب الخاص فائدة، ويتطابق السبب والمسبب تطابق السؤال والجواب.
الزعيم
الزعيم
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 190
نقاط النشاط : 2725
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 05/07/2017
العمر : 34
الموقع : شبكة تونس الزيتونة
https://rtnz.yoo7.com

مباحث في علوم القرآن الكريم للدكتور مناع القطان - صفحة 6 Empty رد: مباحث في علوم القرآن الكريم للدكتور مناع القطان

الإثنين 05 نوفمبر 2018, 19:15
صيغة سبب النزول:
صيغة سبب النزول إما أن تكون نصًّا صريحًا في السببية، وإما أن تكون محتملة.
فتكون نصًّا صريحًا في السببية إذا قال الراوي: "سبب نزول هذه الآية كذا"، أو إذا أتى بفاء تعقيبية داخلة على مادة النزول بعد ذكر الحادثة أو السؤال، كما إذا قال: "حدث كذا" أو "سُئِلَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن كذا فنزلت الآية" - فهاتان صيغتان صريحتان في السببية سيأتي لهما أمثلة1.
وتكون الصيغة محتملة للسببية ولما تضمنته الآية من الأحكام إذا قال الراوي: "نزلت هذه الآية في كذا" فذلك يراد به تارة سبب النزول، ويراد به تارة أنه داخل في معنى الآية.
وكذلك إذا قال: "أحسب هذه الآية نزلت في كذا" أو "ما أحسب هذه الآية نزلت إلا في كذا" فإن الراوي بهذه الصيغة لا يقطع بالسبب - فهاتان صيغتان تحتملان السببية وغيرها كذلك. ومثال الصيغة الأولى ما رُوِي عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "أُنزلت {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} 2 ... الآية. في إتيان النساء في أدبارهن"3.
**************
1 انظر أمثلة تعدد الروايات في سبب النزول التي ستأتي بعد هذه الفقرة.
2 البقرة: 223.
3 أخرجه البخاري.
الزعيم
الزعيم
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 190
نقاط النشاط : 2725
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 05/07/2017
العمر : 34
الموقع : شبكة تونس الزيتونة
https://rtnz.yoo7.com

مباحث في علوم القرآن الكريم للدكتور مناع القطان - صفحة 6 Empty رد: مباحث في علوم القرآن الكريم للدكتور مناع القطان

الإثنين 05 نوفمبر 2018, 19:15
ومثال الصيغة الثانية ما رُوِيَ عن عبد الله بن الزبير "أن الزبير خاصم رجلًا من الأنصار قد شهد بدرًا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شراج من الحرة، وكانا يسقيان به كلاهما النخل، فقال الأنصاري، سرِّح الماء يمر، فأبى عليه، فقال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "اسق يا زبير، ثم أَرْسِل الماء إلى جارك" فغضب الأنصاري وقال: يا رسول الله، أن كان ابن عمتك؟ فتلون وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم قال: "اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجُدر، ثم أَرْسِل الماء إلى جارك". واستوعى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للزبير حقه، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل ذلك أشار على الزبير برأي أراد فيه سعة له وللأنصاري، فلما أحفظ رسول الله الأنصاري استرعى للزبير حقه في صريح الحكم، فقال الزبير: ما أحسب هذه الآية إلا في ذلك: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} 1, قال ابن تيمية: "قولهم: نزلت هذه الآية في كذا يراد به تارة سبب النزول، ويراد به تارة أن ذلك داخل في الآية وإن لم يكن السبب، وقد تنازع العلماء في قول الصحابي: "نزلت هذه الآية في كذا"، هل يجري مجرى المسند كما لو ذكر السبب الذي أنزلت لأجله أو يجري مجرى التفسير منه الذي ليس بمسند؟ فالبخاري يُدخله في المسند، وغيره لا يدخله فيه، وأكثر المسانيد على هذا الاصطلاح كمسند أحمد وغيره، بخلاف ما إذا ذكر سببًا نزلت عقبه فإنهم كلهم يدخلون مثل هذا في المسند"2, وقال الزركشي في البرهان: "قد عُرِفَ من عادة الصحابة والتابعين أن أحدهم إذا قال: "نزلت هذه الآية في كذا" فإنه يريد بذلك أنها تتضمن هذا الحكم لا أن هذا كان السبب في نزولها فهو من جنس الاستدلال على الحكم بالآية، لا من جنس النقل لما وقع"3.
*************
1 أخرجه البخاري ومسلم وأهل السُّنن وغيرهم [والآية من سورة النساء: 65] .
2 المراد بالإسناد هنا أن يكون مسندًا إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- بمعنى أن يكون مرفوعًا. وإن كان من قول الصحابي، لأنه لا مجال للاجتهاد فيه.
3 انظر الإتقان جـ1 ص31.
الزعيم
الزعيم
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 190
نقاط النشاط : 2725
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 05/07/2017
العمر : 34
الموقع : شبكة تونس الزيتونة
https://rtnz.yoo7.com

مباحث في علوم القرآن الكريم للدكتور مناع القطان - صفحة 6 Empty رد: مباحث في علوم القرآن الكريم للدكتور مناع القطان

الإثنين 05 نوفمبر 2018, 19:16
تعدد الروايات في سبب النزول:
قد تتعدد الروايات في سبب نزول آية واحدة، وفي مثل هذه الحالة يكون موقف المفسر منها على النحو الآتي:
أ- إذا لم تكن الصيغ الواردة صريحة مثل: "نزلت هذه الآية في كذا" أو "أحسبها نزلت في كذا" فلا منافاة بينها، إذ المراد التفسير، وبيان أن ذلك داخل في الآية ومستفاد منها، وليس المراد ذكر سبب النزول، إلا إن قامت قرينة على واحدة بأن المراد بها السببية.
ب- إذا كانت إحدى الصيغ غير صريحة كقوله: "نزلت في كذا" وصرح آخر بذكر سبب مخالف فالمُعتمد ما هو نص في السببية، وتُحمل الأخرى على دخولها في أحكام الآية، ومثال ذلك ما ورد في سبب نزول قوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} 1: "عن نافع قال: قرأت ذات يوم: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} فقال ابن عمر: أتدري فيم أنزلت هذه الآية؟ قلت: لا، قال: نزلت في إتيان النساء في أدبارهن"2, فهذه الصيغة من ابن عمر غير صريحة في السببية، وقد جاء التصريح بذكر سبب يخالفه "عن جابر قال: كانت اليهود تقول: إذا أتى الرجل امرأته من خلفها في قُبلِها جاء الولد أحول، فنزلت: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} 3" فجابر هو المُعتمد لأن كلامه نقل صريح، وهو نص في السبب، أما كلام ابن عمر فليس بنص فيُحمل على أنه استنباط وتفسير.
جـ- وإذا تعددت الروايات وكانت جميعها نصًّا في السببية وكان إسناد أحدها صحيحًا دون غيره فالمُتعمد الرواية الصحيحة، مثل: ما أخرجه الشيخان وغيرهما عن جندب البجلي قال: "اشتكى النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم يقم ليلتين أو ثلاثًا، فأتته امرأة فقالت: يا محمد، ما أرى شيطانك إلا قد تركك، لم
*************
1 البقرة: 223.
2 أخرجه البخاري وغيره.
3 أخرجه البخاري وأهل السُّنن وغيرهم.
الزعيم
الزعيم
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 190
نقاط النشاط : 2725
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 05/07/2017
العمر : 34
الموقع : شبكة تونس الزيتونة
https://rtnz.yoo7.com

مباحث في علوم القرآن الكريم للدكتور مناع القطان - صفحة 6 Empty رد: مباحث في علوم القرآن الكريم للدكتور مناع القطان

الإثنين 05 نوفمبر 2018, 19:16
يقربك ليلتين أو ثلاثة، فأنزل الله: {وَالضُّحَى, وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى, مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} 1" وأخرج الطبراني وابن أبي شيبة عن حفص بن ميسرة عن أمه عن أمها -وكانت خادم رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "أن جروًا دخل بيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فدخل تحت السرير، فمات، فمكث النبي -صلى الله عليه وسلم- أربعة أيام لا ينزل عليه الوحي، فقال: يا خولة، ما حدث في بيت رسول الله, صلى الله عليه وسلم؟ جبريل لا يأتيني! فقلت في نفسي: لو هيأت البيت وكنسته، فأهويت بالمكنسة تحت السرير، فأخرجت الجرو، فجاء النبي -صلى الله عليه وسلم- ترعد لحيته، وكان إذا نزل عليه أخذته الرعدة فقال: يا خولة دثريني فأنزل الله: {وَالضُّحَى} ... إلى قوله: {فَتَرْضَى} قال ابن حجر في شرح البخاري: "قصة إبطاء جبريل بسبب الجرو مشهورة، لكن كونها سبب نزول الآية غريب، وفي إسناده من لا يُعرف، فالمعتمد ما في الصحيحين"2.
د- فإذا تساوت الروايات في الصحة ووُجِدَ وجه من وجوه الترجيح كحضور القصة مثلًا أو كون إحداها أصح قُدِّمت الرواية الراجحة، ومثال ذلك ما أخرجه البخاري عن ابن مسعود قال: "كنت أمشي مع النبي -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة، وهو يتوكأ على عسيب، فمر بنفر من اليهود، فقال بعضهم: لو سألتموه، فقالوا: حدِّثنا عن الروح، فقام ساعة ورفع رأسه، فعرفتُ أنه يوحى إليه، حتى صعد الوحي، ثم قال: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} 3.. وقد أخرج الترمذي وصححه عن ابن عباس قال: "قالت قريش لليهود: أعطونا شيئًا نسأل عنه هذا الرجل، فقالوا: اسألوه عن الروح، فسألوه فأنزل الله: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} ... الآية، فهذه الرواية تقتضي أنها نزلت بمكة حيث كانت قريش. والرواية الأولى تقتضي أنها نزلت بالمدينة، وتُرجَّح الرواية الأولى لحضور ابن مسعود القصة، ثم لما عليه الأمة من تلقِّي صحيح البخاري بالقبول وترجيحه على ما صح في غيره.
**************
1 الضحى: 1-3.
2 انظر الإتقان، جـ1ص32، وخولة: هي خادم رسول الله, صلى الله عليه وسلم.
3 الإسراء: 85.
الزعيم
الزعيم
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 190
نقاط النشاط : 2725
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 05/07/2017
العمر : 34
الموقع : شبكة تونس الزيتونة
https://rtnz.yoo7.com

مباحث في علوم القرآن الكريم للدكتور مناع القطان - صفحة 6 Empty رد: مباحث في علوم القرآن الكريم للدكتور مناع القطان

الإثنين 05 نوفمبر 2018, 19:17
وقد اعتبر "الزركشي" هذا المثال من باب تعدد النزول وتكرره1، فتكون هذه الآية قد نزلت مرتين: مرة بمكة، ومرة بالمدينة، واستند في ذلك إلى أن سورة "سبحان" مكية بالاتفاق.
وإني أرى أن كون السورة مكية لا ينفي أن تكون آية منها أو أكثر مدنية، وما أخرجه البخاري عن ابن مسعود يدل على أن هذه الآية: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} مدنية، فالوجه الذي اخترناه من ترجيح رواية ابن مسعود على رواية الترمذي عن ابن عباس أولى من حمل الآية على تعدد النزول وتكرره. ولو صح أن الآية مكية وقد نزلت جوابًا عن سؤال فإن تكرار السؤال نفسه بالمدينة لا يقتضي نزول الوحي بالجواب نفسه مرة أخرى, بل يقتضي أن يجيب الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالجواب الذي نزل عليه من قبل.
هـ- إذا تساوت الروايات في الترجيح جُمِعَ بينها إن أمكن، فتكون الآية قد نزلت بعد السببين أو الأسباب لتقارب الزمن بينها، كآيات اللِّعان: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أزْواجَهمْ} 2, فقد أخرج البخاري والترمذي وابن ماجه عن ابن عباس أنها نزلت في هلال بن أمية، قذف امرأته عند النبي -صلى الله عليه وسلم- بشريك بن سحماء، كما ذكرنا من قبل3.
وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن سهل بن سعد قال: "جاء عويمر إلى عاصم بن عدي، فقال: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن رجل وجد مع امرأته رجلًا أيقتله فيُقتل به أم كيف يصنع؟ ... " فجمع بينهما بوقوع حادثة هلال أولًا، وصادف مجيء عويمر كذلك، فنزلت في شأنهما معًا بعد حادثتيهما. قال ابن حجر: لا مانع من تعدد الأسباب.
و إن لم يمكن الجمع لتباعد الزمن فإنه يُحْمَل على تعدد النزول وتكرره، ومثاله: ما أخرجه الشيخان عن المسيب قال: "لما حضر أبا طالب الوفاة دخل
************
1 انظر البرهان: جـ1 ص30.
2 النور: 6- 9.
3 انظر صفحة 83، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
الزعيم
الزعيم
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 190
نقاط النشاط : 2725
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 05/07/2017
العمر : 34
الموقع : شبكة تونس الزيتونة
https://rtnz.yoo7.com

مباحث في علوم القرآن الكريم للدكتور مناع القطان - صفحة 6 Empty رد: مباحث في علوم القرآن الكريم للدكتور مناع القطان

الإثنين 05 نوفمبر 2018, 19:17
عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية، فقال: " أي عم، قل: لا إله إلا الله أحاج لك بها عند الل هـ"، فقال أبو جهل وعبد الله: يا أبا طالب: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزالا يكلمانه حتى قال: هو على ملة عبد المطلب، فقال النبي, صلى الله عليه وسلم: "لأستغفرن لك ما لم أنه عنه"، فنزلت: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} 1.
وأخرج الترمذي عن عليٍّ قال: "سمعت رجلًا يستغفر لأبويه وهما مشركان فقلت: تستغفر لأبويك وهما مشركان؟ فقال: استغفر إبراهيم لأبيه وهو مشرك، فذكرتُ ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنزلت".
وأخرج الحاكم وغيره عن ابن مسعود قال: "خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- يومًا إلى المقابر، فجلس إلى قبر منها، فناجاه طويلًا ثم بكى، فقال: "إن القبر الذي جلستُ عنده قبر أمي، وإني استأذنت ربي في الدعاء لها فلم يأذن لي، فأنزل عليَّ: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} . فجمع بين هذه الروايات بتعدد النزول.
ومن أمثلته كذلك ما رُوِيَ عن أبي هريرة: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وقف على حمزة حين استُشِهد وقد مُثِّلَ به، فقال: "لأُمَثِّلَنَّ بسبعين منهم مكانك"، فنزل جبريل والنبي -صلى الله عليه وسلم- واقف بخواتيم سورة النحل: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} 2 ... إلى آخر السورة"3, فهذا يدل على نزولها يوم أُحد.
وجاء في رواية أخرى أنها نزلت يوم فتح مكة4، والسورة مكية، فجمع بين ذلك، بأنها نزلت بمكة قبل الهجرة مع السورة، ثم بأحد، ثم يوم الفتح، ولا مانع مع ذلك لما فيه من التذكير بنعمة الله على عباده واستحضار شريعته، قال الزركشي في البرهان: "وقد ينزل الشيء مرتين تعظيمًا لشأنه، وتذكيرًا
************
1 التوبة: 113.
2 النحل: 126.
3 أخرجه البيهقي والبزار عن أبي هريرة.
4 أخرجها الترمذي والحاكم عن أُبَيِّ بن كعب.
الزعيم
الزعيم
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 190
نقاط النشاط : 2725
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 05/07/2017
العمر : 34
الموقع : شبكة تونس الزيتونة
https://rtnz.yoo7.com

مباحث في علوم القرآن الكريم للدكتور مناع القطان - صفحة 6 Empty رد: مباحث في علوم القرآن الكريم للدكتور مناع القطان

الإثنين 05 نوفمبر 2018, 19:17
عند حدوث سببه خوف نسيانه، كما قيل في الفاتحة، نزلت مرتين: مرة بمكة، وأخرى بالمدينة".
هذا ما يذكره علماء الفن في تعدد النزول وتكرره، ولا أرى لهذا الرأي وجهًا مستساغًا، حيث لا تتضح الحكمة من تكرار النزول. وإنما أرى أن الروايات المتعددة في سبب النزول ولا يمكن الجمع بينها يتأتى فيها الترجيح. فالروايات الواردة في سبب نزول قوله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} 1 ... الآية، ترجح فيها الرواية الأولى على الروايتين الأخيرتين، لأنها وردت في الصحيحين دونهما، وحسبك برواية الشيخين قوة. فالراجح أن الآية نزلت في أبي طالب. وكذلك الشأن في الروايات التي وردت في سبب نزول خواتيم سورة النحل، فإنها ليست في درجة سواء. والأخذ بأرجحها أولى من القول بتعدد النزول وتكرره.
والخلاصة.. أن سبب النزول إذا تعدد: فإما أن يكون الجميع غير صريح، وإما أن يكون الجميع صريحًا، وإما أن يكون بعضه غير صريح وبعضه صريحًا، فإن كان الجميع غير صريح في السببية فلا ضرر حيث يُحمل على التفسير والدخول في الآية "أ" وإن كان بعضه غير صريح وبعضه الآخر صريحًا فالمعتمد هو الصريح "ب" وإن كان الجميع صريحًا فلا يخلو، إما أن يكون أحدهما صحيحًا أو الجميع صحيحًا, فإن كان أحدهما صحيحًا دون الآخر فالصحيح هو المعتمد "جـ" وإن كان الجميع صحيحًا فالترجيح إن أمكن "د" وإلا فالجمع إن أمكن "هـ" وإلا حُمِل على تعدد النزول وتكرره "و" وفي هذا القسم الأخير مقال، وفي النفس منه شيء.
**************
1 التوبة: 113.
الزعيم
الزعيم
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 190
نقاط النشاط : 2725
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 05/07/2017
العمر : 34
الموقع : شبكة تونس الزيتونة
https://rtnz.yoo7.com

مباحث في علوم القرآن الكريم للدكتور مناع القطان - صفحة 6 Empty رد: مباحث في علوم القرآن الكريم للدكتور مناع القطان

الإثنين 05 نوفمبر 2018, 19:18
تعدد النزول مع وحدة السبب:
قد يتعدد ما ينزل والسبب واحد، ولا شيء في ذلك، فقد ينزل في الواقعة الواحدة آيات عديدة في سور شتى. ومثاله: ما أخرجه سعيد بن منصور وعبد الرزاق والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه عن أم سلمة قالت: "يا رسول الله، لا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة بشيء، فأنزل الله: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} ... الآية1.
وأخرج أحمد والنَّسائي وابن جرير وابن المنذر والطبراني وابن مردويه عن أم سلمة قالت: "قلت: يا رسول الله، ما لنا لا نُذكر في القرآن كما يُذكر الرجال؟ فلم يرعني منه ذات يوم إلا نداؤه على المنبر وهو يقول: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} 2 ... إلى آخر الآية.
وأخرج الحاكم عن أم سلمة أيضًا أنها قالت: تغزو الرجال ولا تغزو النساء، وإنما لنا نصف الميراث؟ فأنزل الله: {وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ} 3, الآية، وأنزل: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} فهذه الآيات الثلاث نزلت على سبب واحد.
**************
1 آل عمران: 195.
2 الأحزاب: 35.
3 النساء: 32.
الزعيم
الزعيم
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 190
نقاط النشاط : 2725
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 05/07/2017
العمر : 34
الموقع : شبكة تونس الزيتونة
https://rtnz.yoo7.com

مباحث في علوم القرآن الكريم للدكتور مناع القطان - صفحة 6 Empty رد: مباحث في علوم القرآن الكريم للدكتور مناع القطان

الإثنين 05 نوفمبر 2018, 19:18
تقدم نزول الآية على الحكم:
يذكر "الزركشي" نوعًا يتصل بأسباب النزول يسميه: "تقدم نزول الآية على الحكم"1, والمثال الذي ذكره في ذلك لا يدل على أن الآية تنزل في حكم خاص ثم لا يكون العمل بها إلا مؤخرًا، وإنما يدل على أن الآية قد تنزل بلفظ
****************
1 انظر "البرهان" جـ1 ص32.
الزعيم
الزعيم
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 190
نقاط النشاط : 2725
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 05/07/2017
العمر : 34
الموقع : شبكة تونس الزيتونة
https://rtnz.yoo7.com

مباحث في علوم القرآن الكريم للدكتور مناع القطان - صفحة 6 Empty رد: مباحث في علوم القرآن الكريم للدكتور مناع القطان

الإثنين 05 نوفمبر 2018, 19:19
مجمل يحتمل أكثر من معنى ثم يُحمل تفسيرها على أحد المعاني فيما بعد فتكون دليلًا على حكم متأخر. جاء في "البرهان": "واعلم أنه قد يكون النزول سابقًا على الحكم، وهذا كقوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} 1 فإنه يُستدل بها على زكاة الفطر، روى البيهقي بسنده إلى ابن عمر أنها نزلت في زكاة رمضان، ثم أسند مرفوعًا نحوه، وقال بعضهم: لا أدري ما وجه هذا التأويل؟ لأن هذه السورة مكية، ولم يكن بمكة عيد ولا زكاة".
وأجاب البغوي2 في تفسيره بأنه يجوز أن يكون النزول سابقًا على الحكم، كما قال: {لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ, وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ} 3, فالسورة مكية، وظهر أثر الحل يوم فتح مكة، حتى قال عليه الصلاة والسلام: "أُحلت لي ساعة من نهار" 4.
وكذلك نزل بمكة: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} 5, قال عمر بن الخطاب: كنت لا أدري: أي الجمع يُهزم؟ فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} .
فأنت ترى فيما ذكره صاحب البرهان أن صيغة سبب النزول محتملة للسببية ولما تضمنته الآية من الأحكام "رَوَى البيهقي بسنده إلى ابن عمر أنها نزلت في زكاة رمضان"، والآيات التي ذكرها مُجْمَلة تحتمل أكثر من معنى، أو جاءت بصيغة الإخبار عما يحدث في المستقبل {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} .
**************
1 الأعلى: 14.
2 هو أبو محمد الحسن بن مسعود بن محمد البغوي، الفقيه الشافعي، صاحب كتاب "مصابيح السٌّنَّة" في الحديث و"معالم التنزيل" في التفسير، توفي سنة 510 هجرية.
3 البلد: 1، 2.
4 من حديث في الصحيحين، والآية تحتمل ثلاثة معانٍ: أن يكون "حل" من الحلول بالمكان والنزول به، فيكون حلوله بالبلد الأمين مناطًا لإعظامه بالإقسام به، أو يكون "حل" من الحلال بمعنى المباح، فإنهم قد استحلوه عليه الصلاة والسلام في هذا البلد الحرام، أو يكون المعنى: وأنت حلٌّ في المستقبل، وهذا الرأي الأخير هو الذي يكون النزول فيه سابقًا للحكم.
5 القمر: 45.
الزعيم
الزعيم
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 190
نقاط النشاط : 2725
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 05/07/2017
العمر : 34
الموقع : شبكة تونس الزيتونة
https://rtnz.yoo7.com

مباحث في علوم القرآن الكريم للدكتور مناع القطان - صفحة 6 Empty رد: مباحث في علوم القرآن الكريم للدكتور مناع القطان

الإثنين 05 نوفمبر 2018, 19:20
تعدد ما نزل في شخص واحد:
قد يحدث لشخص واحد من الصحابة أكثر من واقعة، ويتنزل القرآن بشأن كل واقعة منها، فيتعدد ما نزل بشأنه بتعدد الوقائع، ومثاله: ما رواه البخاري في كتاب "الأدب المفرد" في بر الوالدين عن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- قال: "نزلت فيَّ أربع آيات من كتاب الله عز وجل: كانت أمي حلفت ألا تأكل ولا تشرب، حتى أفارق محمدًا -صلى الله عليه وسلم- فأنزل الله تعالى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} 1.
والثانية: أني كنت أخذت سيفًا فأعجبني فقلت: يا رسول الله. هب لي هذا السيف، فنزلت: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} 2.
والثالثة: أني كنت مرضت فأتاني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت: يا رسول الله. إني أريد أن أُقَسِّمَ مالي، أفأُوصي بالنصف؟ فقال: لا، فقلت: الثلث، فسكت، فكان الثلث بعد جائزًا 3.
والرابعة: أني شربت الخمر مع قوم من الأنصار، فضرب رجل منهم أنفي بلحي جمل، فأتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأنزل الله عز وجل تحريم الخمر".
ويُعتبر من هذا القبيل موافقات عمر رضي الله عنه، فقد نزل الوحي موافقًا لرأيه في عدة آيات.
*************
1 لقمان: 15.
2 الأنفال: 1.
3 نزل في الوصية قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [البقرة: 180] ولم يأت التصريح بنزول الآية في نص الحديث.
الزعيم
الزعيم
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 190
نقاط النشاط : 2725
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 05/07/2017
العمر : 34
الموقع : شبكة تونس الزيتونة
https://rtnz.yoo7.com

مباحث في علوم القرآن الكريم للدكتور مناع القطان - صفحة 6 Empty رد: مباحث في علوم القرآن الكريم للدكتور مناع القطان

الإثنين 05 نوفمبر 2018, 19:20
الاستفادة من معرفة أسباب النزول في مجال التربية والتعليم:
يعاني المربون في مجال الحياة التعليمية كثيرًا من المتاعب في استخدام الوسائل التربوية لإثارة انتباه الطلاب حتى تتهيأ نفوسهم للدرس في شوق يستجمع قواهم العقلية ويرغبهم في الاستماع والمتابعة، والمرحلة التمهيدية من مراحل الدرس تحتاج إلى فطنة لماحة تعين المدرس على اجتذاب مشاعر الطلاب لدرسه بشتى الوسائل المناسبة، كما تحتاج إلى ممارسة طويلة تُكسبه خبرة في حسن اختيار الربط بين معلوماتهم دون تعسف يكلفه شططًا.
وكما تهدف المرحلة التمهيدية في الدرس إلى إثارة انتباه الطلاب واجتذاب مشاعرهم فإنها تهدف كذلك إلى التصور الكلي للموضوع، كي يسهل على المدرس أن ينتقل بطلابه من الكلي للجزئي إلى أن يستوعب عناصر الدرس تفصيلًا بعد أن تصوره طلابه جملة.
ومعرفة أسباب النزول هي السبيل الأفضل لتحقيق تلك الأهداف التربوية في دراسة القرآن الكريم تلاوة وتفسيرًا.
إن سبب النزول إما أن يكون قصة لحادثة وقعت، وإما أن يكون سؤالًا طُرِحَ على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لاستكشاف حكم في موضوع، فينزل القرآن إثر الحادثة أو السؤال، فلن يجد المدرس نفسه في حاجة لمعالجة التمهيد للدرس بشيء يبتكره ويختاره، إذ إنه إذا ساق سبب النزول كانت قصته كافية في إثارة انتباه الطلاب، واجتذاب مشاعرهم، واستجماع قواهم العقلية، وتهيئة نفوسهم لتقبل الدرس، وتشويقهم للاستماع إليه، وترغيبهم في الحرص عليه، فهم يتصورون الدرس بمعرفة سبب النزول تصورًا عامًّا بما فيه من عناصر القصة المثيرة، فتتوق نفوسهم إلى معرفة ما نزل ملائمًا له وما يتضمنه من أسرار تشريعية وأحكام تفصيلية، تهدي الإنسانية إلى نهج الحياة الأقوم، وصراطها المستقيم، وسبيل عزها ومجدها وسعادتها.
الزعيم
الزعيم
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 190
نقاط النشاط : 2725
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 05/07/2017
العمر : 34
الموقع : شبكة تونس الزيتونة
https://rtnz.yoo7.com

مباحث في علوم القرآن الكريم للدكتور مناع القطان - صفحة 6 Empty رد: مباحث في علوم القرآن الكريم للدكتور مناع القطان

الإثنين 05 نوفمبر 2018, 19:21
وعلى المربين في مجال الحياة التربوية التعليمية الخاصة بمقاعد الدرس أو العامة في التوجية والإرشاد أن يستفيدوا من سياق أسباب النزول في التأثير على الطلاب الدارسين وجماهير المسترشدين، فذلك أجدى وأنفع وأهدى سبيلًا لتحقيق الأهداف التربوية بأروع معانيها وأرقى صورها.
الزعيم
الزعيم
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 190
نقاط النشاط : 2725
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 05/07/2017
العمر : 34
الموقع : شبكة تونس الزيتونة
https://rtnz.yoo7.com

مباحث في علوم القرآن الكريم للدكتور مناع القطان - صفحة 6 Empty رد: مباحث في علوم القرآن الكريم للدكتور مناع القطان

الإثنين 05 نوفمبر 2018, 19:21
المناسبات بين الآيات والسور:
كما أن معرفة سبب النزول لها أثرها في فهم المعنى وتفسير الآية، فإن معرفة المناسبة بين الآيات تساعد كذلك على حسن التأويل، ودقة الفهم، ولذا أفرد بعض العلماء هذا المبحث بالتصنيف1.
والمناسبة في اللغة: المقاربة، يقال فلان يناسب فلانًا أي يقرب منه ويشاكله، ومنه المناسبة في العلة في باب القياس، وهي الوصف المقارب للحكم.
والمراد بالمناسبة هنا: وجه الارتباط بين الجملة والجملة في الآية الواحدة أو بين الآية والآية في الآيات المتعددة، أوبين السورة والسورة.
ولمعرفة المناسبة فائدتها في إدراك اتساق المعاني، وإعجاز القرآن البلاغي، وإحكام بيانه، وانتظام كلامه، وروعة أسلوبه {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} 2.
قال الزركشي: "وفائدته جعل أجزاء الكلام بعضها آخذًا بأعناق بعض، فيقوى بذلك الارتباط، ويصير التأليف حاله حال البناء المحكم المتلائم الأجزاء".
***************
1 ممن صنَّف فيه أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير الأندلسي النحوي الحافظ المتوفى سنة 807 هجرية في كتاب سماه "البرهان في مناسبة ترتيب سور القرآن" "مخطوط"، وللشيخ برهان الدين البقاعي كتاب في هذا سماه "نظم الدرر في تناسب الآيات والسور" وتوجد منه نسخة خطية بدار الكتب المصرية وقد طبعته دائرة المعارف العثمانية - الهند 1389هـ، وانظر هذا المبحث في "البرهان" للزركشي، جـ1 ص35.
2 هود: 1.
الزعيم
الزعيم
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 190
نقاط النشاط : 2725
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 05/07/2017
العمر : 34
الموقع : شبكة تونس الزيتونة
https://rtnz.yoo7.com

مباحث في علوم القرآن الكريم للدكتور مناع القطان - صفحة 6 Empty رد: مباحث في علوم القرآن الكريم للدكتور مناع القطان

الإثنين 05 نوفمبر 2018, 19:22
وقال القاضي أبو بكر بن العربي: "ارتباط آي القرآن بعضها ببعض، حتى تكون كالكلمة الواحدة، متسقة المعاني، منتظمة المباني، علم عظيم".
ومعرفة المناسبات والربط بين الآيات ليست أمرًا توقيفيًّا، ولكنها تعتمد على اجتهاد المفسر ومبلغ تذوقه لإعجاز القرآن وأسراره البلاغية وأوجه بيانه الفريد، فإذا كانت المناسبة دقيقة المعنى، منسجمة مع السياق، متفقة مع الأصول اللغوية في علوم العربية، كانت مقبولة لطيفة.
ولا يعني هذا أن يلتمس المفسر لكل آية مناسبة، فإن القرآن الكريم نزل مُنَجَّمًا حسب الوقائع والأحداث، وقد يدرك المفسر ارتباط آياته وقد لا يدركها، فلا ينبغي أن يعتسف المناسبة اعتسافًا، وإلا كانت تكلفًا ممقوتًا، قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام1: "المناسبة علم حسن، ولكن يُشترط في حسن ارتباط الكلام أن يقع في أمر متحد مرتبط أوله بآخره: فإن وقع على أسباب مختلفة لم يُشترط فيه ارتباط أحدهما بالآخر" ثم قال: "ومن ربط بين ذلك فهو متكلف بما لا يقدر عليه إلا برباط ركيك يصان عنه حسن الحديث فضلًا عن أحسنه، فإن القرآن نزل في نيف وعشرين سنة في أحكام مختلفة، ولأسباب مختلفة، وما كان كذلك لا يتأتى ربط بعضه ببعض".
وقد عُنِيَ بعض المفسرين ببيان المناسبة بين الجمل، أو بين الآيات، أو بين السور2 واستنبطوا وجوه ارتباط دقيقة.
فالجملة قد تكون تأكيدًا لما قبلها، أوبيانًا، أو تفسيرًا، أو اعتراضًا تذييليًّا - ولهذا أمثلته الكثيرة.
***************
1 هو عبد العزيز بن عبد السلام المشهور بالعز، كان عالمًا مجاهدًا ورعًا، توفي سنة 660 هجرية.
2 وجه الارتباط بين السور مبني على أن ترتيب السور توقيفي، وقد اختلف العلماء في ذلك كما سيأتي.
الزعيم
الزعيم
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 190
نقاط النشاط : 2725
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 05/07/2017
العمر : 34
الموقع : شبكة تونس الزيتونة
https://rtnz.yoo7.com

مباحث في علوم القرآن الكريم للدكتور مناع القطان - صفحة 6 Empty رد: مباحث في علوم القرآن الكريم للدكتور مناع القطان

الإثنين 05 نوفمبر 2018, 19:23
وللآية تعلقها بما قبلها على وجه من وجوه الارتباط يجمع بينها، كالمقابلة بين صفات المؤمنين وصفات المشركين، ووعيد هؤلاء ووعد أولئك، وذكر آيات الرحمة بعد آيات العذاب، وآيات الترغيب بعد آيات الترهيب، وآيات التوحيد والتنزيه بعد الآيات الكونية ... وهكذا.
وقد تكون المناسبة في مراعاة حال المخاطَبين كقوله تعالى: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ, وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ, وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ, وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} 1, فجمع بين الإبل والسماء والجبال مراعاة لما جرى عليه الإلف والعادة بالنسبة إلى المخاطَبين في البادية، حيث يعتمدون في معايشهم على الإبل، فتنصرف عنايتهم إليها، ولا يتأتى لهم ذلك إلا بالماء الذي ينبت المرعى وترده الإبل، وهذا يكون بنزول المطر، وهو سبب تقلب وجوههم في السماء، ثم لا بد لهم من مأوى يتحصنون به ولا شيء أمنع كالجبال، وهم يطلبون الكلأ والماء فيرحلون من أرض ويهبطون أخرى، ويتنقلون من مرعًى أجدب إلى مرعًى أخصب، فإذا سمع أهل البادية هذه الآيات خالطت شغاف قلوبهم بما هو حاضر لا يغيب عن أذهانهم.
وقد تكون المناسبة بين السورة والسورة، كافتتاح سورة "الأنعام" بالحمد: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} 2, فإنه مناسب لختام سورة "المائدة" في الفصل بين العباد ومجازاتهم: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} 3.. إلى آخر السورة، كما قال سبحانه: {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} 4، وكافتتاح سورة "الحديد" بالتسبيح: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} 5, فإنه مناسب
*************
1 الغاشية: 17-20.
2 الأنعام: 1.
3 المائدة: 118.
4 الزمر: 75.
5 الحديد: 1.
الزعيم
الزعيم
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 190
نقاط النشاط : 2725
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 05/07/2017
العمر : 34
الموقع : شبكة تونس الزيتونة
https://rtnz.yoo7.com

مباحث في علوم القرآن الكريم للدكتور مناع القطان - صفحة 6 Empty رد: مباحث في علوم القرآن الكريم للدكتور مناع القطان

الإثنين 05 نوفمبر 2018, 19:23
لختام سورة "الواقعة" من الأمر به: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} 1, وكارتباط سورة {لِإِيلافِ قُرَيْشٍ} 2, بسورة "الفيل" فإن هلاك أصحاب الفيل كانت عاقبته تمكين قريش من رحلتيها شتاء وصيفًا، حتى قال الأخفش: اتصالها بها من باب قوله تعالى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} 3.
وقد تكون المناسبة بين فواتح السور وخواتمها.. ومن ذلك ما في سورة "القصص" فقد بدأت بقصة موسى عليه السلام، وبيان مبدأ أمره ونصره، ثم ما كان منه عندما وجد رجلين يقتتلان.
وحكى الله دعاءه: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ} 4، ثم ختم الله السورة بتسلية رسولنا -صلى الله عليه وسلم- بخروجه من مكة والوعد بعودته إليها، ونهيه عن أن يكون ظهيرًا للكافرين: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ، وَمَا كُنتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلاَّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ} 5..
ومن تتبع كتب التفسير وجد كثيرًا من وجوه المناسبات.
***************
1 الواقعة: 96.
2 سورة قريش.
3 القصص: 8.
4 القصص: 17.
5 القصص: 85، 86.
الزعيم
الزعيم
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 190
نقاط النشاط : 2725
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 05/07/2017
العمر : 34
الموقع : شبكة تونس الزيتونة
https://rtnz.yoo7.com

مباحث في علوم القرآن الكريم للدكتور مناع القطان - صفحة 6 Empty رد: مباحث في علوم القرآن الكريم للدكتور مناع القطان

الثلاثاء 20 نوفمبر 2018, 00:01
نزول القرآن
مدخل
...

7- نزول القرآن:
أنزل الله القرآن على رسولنا محمد -صلى الله عليه وسلم- لهداية البشرية، فكان نزوله حدثًا جللًا يؤذن بمكانته لدى أهل السماء وأهل الأرض، فإنزاله الأول في ليلة القدر أشعر العالم العُلوي من ملائكة الله بشرف الأمة المحمدية التي أكرمها الله بهذه الرسالة الجديدة لتكون خير أمة أخرجت للناس، وتنزيله الثاني مفرَّقًا على خلاف المعهود في إنزال الكتب السماوية قبله آثار الدهشة التي حملت القوم على المماراة فيه، حتى أسفر لهم صبح الحقيقة فيما وراء ذلك من أسرار الحكمة الإلهية، فلم يكن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ليتلقى الرسالة العظمى جملة واحدة ويُقنع بها القوم مع ما هم عليه من صَلَفٍ وعِناد، فكان الوحي يتنزل عليه تباعًا تثبيتًا لقلبه، وتسلية له، وتدرجًا مع الأحداث والوقائع حتى أكمل الله الدين، وأتم النعمة.
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى